هذا هو حال بعض المستفيدين من مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر أو بعض البرامج الأخرى ذات الشعبية مثل (الواتس أب) والبلاك بيري وغيرها. حيث إن هذه المواقع تساعدهم كثيرا على التواصل مع مختلف الشرائح الاجتماعية وتكوين صداقات افتراضية واسعة مع أشخاص في مختلف بقاع العالم. ورغم أن طبيعة هذه الصداقات تختلف - في الغالب – عن الصداقات في عالمنا الحقيقي من حيث كونها مبنية على العلاقة عبر مواقع الإنترنت فقط، وغالبا ما لا تحصل فيها لقاءات على الطبيعة، وقد تكون أحيانا مبنية على أسس غير سليمة كأن يتقمص أحد الأطراف شخصية ذكر بينما هو أنثى والعكس بالعكس، أو عدم إفصاح الشخص عن معلوماته الحقيقية كعمره أو صورته، رغم كل هذه الأمور، فإن أهمية هذه الصداقات لا تقل عن الصداقات الحقيقية. فهناك الكثير من القصص التي تروى عن أصدقاء على النت كانوا أفضل وأوفى من أصدقاء على أرض الواقع.. ولعل أهم إيجابية في هذه التقنيات هي تعزيز التواصل بين الأصدقاء الحقيقيين، وبين المتباعدين من أفراد العائلة الواحدة بأقل التكاليف.
لكن المشكلة تحصل عندما تطغى هذه الصداقات والعلاقات الافتراضية على نظيرتها الحقيقية. فقد يستغرق الإنسان في هذه العلاقات إلى درجة تؤثر على محيطه القريب جدا، بل حتى على أفراد أسرته. وكثيرا ما سمعنا وشاهدنا في كثير من المجالس والديوانيات أن مجموعة من الأصدقاء مجتمعين في مكان واحد، إلا أن كلا منهم منهمك في عالمه الخاص بجهازه النقال أو في حاسوبه المحمول مع أصدقائه الافتراضيين بعيدا عن بقية أصدقائه الحقيقيين الذين يجلس معهم في غرفة واحدة. والأنكى من ذلك هو أن يحصل كل هذا مع أفراد العائلة الواحدة، حيث تجد أن لكل منهم عالمه الخاص وقد لا يلتقون إلا في ممرات البيت ولا يتحادثون إلا قليلا. وقد سمعت عن عائلات يتنادى أفرادها لوجباتهم الغذائية عبر هذه المواقع.
وقد بدأت هذه المشكلة في الانتشار في الآونة الأخيرة خاصة مع انخفاض أسعار استخدام الإنترنت وانتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وزيادة شعبيتها بين الناس واعتماد الكثيرين على الأخبار التي يقرؤونها من هذه المواقع لدرجة تفوق اعتمادهم على التلفاز والصحف.
وأنا أطرح هنا هذه المشكلة والتي بدأت تتحول إلى ظاهرة لما قد يترتب عليها من آثار عائلية واجتماعية. فهذه المواقع والخدمات وإن ساهمت في تكثيف التواصل مع الآخرين فإنها ساهمت في التواصل الإفتراضي وليس الحقيقي، حيث يمكن للشخص أن يتواصل مع الآخرين في أي مكان من العالم الكترونيا ودون أن يتحرك من مقعده. وساعدت في ذلك الأساليب المتنوعة في التواصل الإلكتروني والتي لم تكن تخطر ببال أحد، وكنا نقرأ عنها فقط في قصص الخيال العلمي.. إذاً المشكلة تبرز حينما تسهم هذه الأدوات التواصلية في تقريب المسافات بين الشعوب والمجتمعات، بينما تسهم في الوقت نفسه في تباعد أفراد العائلة الواحدة، حيث ينشغل كل منهم في عالمه الافتراضي الخاص. بل إنني سمعت عن أحد المغرمين بهذه التقنيات والذي علم عن مرض أحد إخوانه الذي يعيش معه في نفس المنزل من المجموعة العائلية في موقع الواتس أب!! فلم يكلف نفسه الذهاب إلى غرفته للاطمئنان عليه، بل اكتفى بإرسال رسالة مجانية إليه. فإلى أين يمكن أن ننساق في استخدام هذه التقنيات، وإلى أي مدى يمكن أن تأخذنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق